بدأت في العاصمة المصرية القاهرة مشاورات غير معلنة بين وسطاء إقليميين وممثلين عن أطراف النزاع، في محاولة جديدة لكسر الجمود السياسي والوصول إلى اتفاق تهدئة جديد في قطاع غزة، وسط تصعيد ميداني وأزمة إنسانية خانقة تعصف بالمدنيين.
وتأتي هذه التحركات بعد اتصالات مكثفة أجراها وسطاء التهدئة عن بُعد مع كل من حركة المقاومة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، تمهيداً لعقد لقاءات مباشرة بين مسؤولين مصريين ووفد قيادي من الحركة، بهدف تجاوز العقبات التي تعيق التوصل إلى تهدئة مستدامة، بناءً على المقترح الأمريكي الأخير.
ويشمل المقترح وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، يتم خلاله تنفيذ المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى، ويُتوقع أن تُفرج المقاومة الفلسطينية بموجبها عن 10 أسرى أحياء من الإسرائيليين، إلى جانب تسليم جثامين تتراوح بين 10 و16 من قتلى الجيش الإسرائيلي، يليها الإفراج عن باقي الجثث في مراحل لاحقة.
وتشير معلومات صحفية إلى وجود اتصالات موازية لترتيب إرسال وفد إسرائيلي إلى القاهرة أيضاً، في ظل مؤشرات جديدة على إمكان التوصل إلى صيغة توافقية بشأن النقطة الأكثر تعقيدًا في المفاوضات، وهي التعهد بوقف الحرب بشكل كامل، وليس فقط تعليقها مؤقتًا.
وكانت وكالة "شينخوا" الصينية قد نقلت عن مصادر مصرية تأكيدها موافقة المقاومة على الصفقة من حيث المبدأ، فيما تستمر اللقاءات في القاهرة لبحث الجدول الزمني وخطوات التنفيذ. وبحسب قناة "i24NEWS"، تُناقش ثلاث قضايا أساسية ضمن هذه المفاوضات: إطلاق سراح الرهائن، وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة، ومصير التهدئة بعد انتهاء مدتها المقترحة.
ورغم أن حركة المقاومة لم تعلن رسمياً عن إرسال وفدها، فإن هذه الأنباء تتزامن مع تطورات ميدانية حساسة، خاصة بعد إعلان الجيش الإسرائيلي استعادة جثث ثلاثة أسرى في عملية خاصة داخل قطاع غزة، ما يضيف مزيداً من الضغوط على ملف التبادل.
وتحاول إسرائيل، بحسب مراقبين، تقليص أوراق الضغط المتاحة للطرف الفلسطيني، عبر عمليات ميدانية تستهدف الأسرى، وهو ما قد ينعكس على ديناميات التفاوض في المدى القريب.
وفي خلفية هذه التحركات، يعود المقترح الأمريكي الذي قدمه الوسيط ستيف ويتكوف إلى الواجهة، والذي وافق عليه الطرفان بشكل مبدئي، ويقترح تقديم الرئيس الأمريكي ضمانات بعدم استئناف الحرب بعد انتهاء التهدئة، على أن تشمل المرحلة الأولى انسحابًا تدريجيًا لقوات الاحتلال وتدفقًا إنسانيًا أكبر للمساعدات.
وتكتسب هذه الجهود بعداً سياسياً إضافيًا، في ظل تزامنها مع الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد إيران، ما يعزز أهمية إنجاح التهدئة في غزة لتفادي تفجر أوسع في المنطقة.
وفي سياق متصل، أكدت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، عقب لقائها بوزير المخابرات المصرية، ضرورة وقف العدوان فورًا، وتأمين الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع، وتهيئة الظروف لإعادة الإعمار، وإطلاق حوار وطني يفضي إلى تشكيل مرجعية موحدة، وتنظيم انتخابات شاملة خلال عام واحد.
وتُجمع المصادر الدبلوماسية على أن نجاح هذه الجولة من المباحثات مرتبط بتقديم ضمانات حقيقية بوقف الحرب، وهو المطلب الذي لا يزال يلقى رفضًا من الحكومة الإسرائيلية، التي تصر على تهدئة مؤقتة مشروطة بنزع سلاح الفصائل ونفي قياداتها، وهو ما ترفضه المقاومة.